Wekalet Behna

تاريخ عائلة بهنا

لطالما مثلت شركة بهنا فيلم أحد أهم المرجعيات لتاريخ الإنتاج السينمائي في مصر والمنطقة العربية، وبما يترتب عليه من علاقات تنظيمية ومعرفية مستمرة بشكل كبير حتى اليوم في كثير من أشكال الإنتاج السينمائي المؤسسي والبديل، وبما يجعل من الضرورة الآن محاولة النظر في ذلك التاريخ لمراجعة واستقصاء هذه النماذج التنظيمية والإنتاجية بما ترتب عليها من أشكال وعلاقات انتاج لازالت مستقرة داخل الصناعة، وفي ارتباطها العميق كذلك بسياقات أوسع من مراحل تطور الإقتصاد المصري وتشكل طبقات جديدة من الفاعلين الاقتصاديين في بدايات القرن الفائت، وإدراك مسارات العمل والتحقق في مركز هذه الصناعة الجديدة آنذاك.

 

وترجع أصول عائلة بهنا إلى مدينة الموصل في العراق والتي اضطرت للهجرة منها إلى حلب في سوريا جراء الاضطهاد الديني الذي تعرض له المسيحيون بالعراق في بدايات القرن العشرين فيما عرف آنذاك بمجزرة سيميل، ومن ثم استقرت العائلة بعد ذلك في مدينة الاسكندرية حيث بدؤا العمل في تجارة الشحن وتفريغ السفن ثم توسعوا فيما بعد إلى تجارة التبغ والحرير والأخشاب، كما حصلوا على الجنسية المصرية أيضًا في بداية الثلاثينات من القرن الماضي.

 

من ثم قررت العائلة الدخول إلى عالم صناعة السينما الناشئة في مصر آنذاك كوسيلة للانخراط في مجتمع النخبة من العائلات الكبرى بالمدينة ولتتويج نجاحاتهم التجارية الأخرى أيضًا، فقاموا بتأسيس شركة منتخبات بهنا فيلم ببدايات الثلاثينات بأحد المكاتب التابعة للعائلة في وكالة مونفراتو بشارع الكنيسة المارونية بالمنشية، ليقوموا بإنتاج وتوزيع عدد أكبر من الحصر من الأفلام التي تم إنتاجها وقتذاك منذ عهد السينما الصامتة، والرسوم المتحركة التي قام بها الأخوة فرانكل مثل مشمش أفندي، وحتى قيامهم بإنتاج أول فيلم ناطق مصري وهو أنشودة الفؤاد عام 1932 لجورج أبيض والمطربة السورية نادرة عن قصة وسيناريو الشاعر الكبير خليل مطران.

 

توسعت الشركة فيما بعد لتملك فروعًا  بالقاهرة والسودان، بالإضافة لعدد من المكاتب الأخرى في سورية ولبنان والأردن والعراق وفرنسا وبلدان شمال أفريقيا. واشتركت في التوزيع والانتاج كذلك للكثير من رواد السينما في مصر مثل توجو مزراحي، الأخوة لاما، آسيا، أحمد جلال، علي الكسار، يوسف وهبي، فؤاد الجزايرلي، عمر الجميعي حتى أصبحت أخد أهم شركات الإنتاج والتوزيع السينمائي في نطاق الشرق الأوسط بأكمله.

 

تعرضت شركة منتخبات بهنا فيلم لتدابير فرض الحراسة عام 1961 ضمن عدد كبير من الشركات الأخرى إبان فترة التأميمات الناصرية، أغلقت على إثرها الشركة لفترات طويلة. وخاض السيد بازيل إدوارد بهنا -وريث العائلة- العديد من النزاعات القضائية أمام المحاكم المصرية منذ بدايات الألفية حتى حصل على حكم برفع الحراسة القضائية واستلام مكتب الشركة الرئيسي بالإسكندرية بما يحويه من ملفات ومراسلات وعقود معاملات الشركة، وهو أحد المقرات ضمن العديد من المكاتب والمخازن الأخرى التي لاتزال مغلقة تحت تدابير الحراسة.

 

وبالعام 2013 دخل السيد بازيل بهنا في تعاون مع مؤسسة جدران للفنون والتنمية لتأسيس مساحة فنية وثقافية بديلة، وتم افتتاحه في 14 مارس 2014 بمجموعة من الفاعليات والنشاطات الفنية التي كان أحدها عرض نسخة فيلم أنشودة الفؤاد بعد ترميمها في سينماتيك فرنسا، ذلك بعد رحلة بحث وعمل طويلة قام بها السيد بازيل بهنا وأخته السيدة ماري كلود بهنا بدايةً من عثورهم على مراسلات الفيلم ومخاطبة الجهات التي تملك النسخة في الخارج وتتبعها وحتى ترميمها في النهاية بعد عدة سنوات من البحث.

 

ومع توقف نشاط مؤسسة جدران للفنون والتنمية عام 2017 تم تأسيس شركة بهنا للفنون، والتي كان السيد بازيل بهنا أحد أطرافها، لتقوم بإدارة المساحة مرة أخرى وتعمل على نشر الثقافة والفنون. وتستكمل وكالة بهنا نشاطها كمساحة فنية معنية بشكل أساسي بالفنون البصرية والسينما بصورة أكثر تحديدًا، والأرشيف والتعليم البديل وكل أشكال التدخل الثقافي التي تدعم التفكير النقدي والتحليلي.