وكالة بهنا

كراسات / إصدارات الوكالة

مطبوعات برنامج الكتابة والترجمة
كراسات بهنا هي نتاج برنامج بهنا الدراسي للكتابة والترجمة
الجدال السكندري - كراسة ترجمة - 1
أرشيف الكوزموبوليتانية - كراسة ترجمة - 2
مرايا المدينة - كراسة كتابة - 3

كراسات بهنا (1)

ترجمة

{الجدال السكندري}

هالة حليم

ديبورا ستار

ألكسندرا شندلر

**********************

كراسات بهنا (2)

ترجمة

 {أرشيف الكوزموبوليتانية}

خالد فهمي

ويل هانلي

************************

كراسات بهنا (3)
كتابة

{مرايا المدينة}

أحمد برهام
بسمة جاهين
عمر شاهين
منة الله عبد المنعم
ميرنا محمود
يُسر الشعراوي

تمهيد

 

في مدينة تتغير تدريجيًا كل يوم كمدينة اﻹسكندرية، وبين أحياء لا ننتمي إلى تاريخها وأحياء لا تاريخ لها لننتمي إليه، ثمة حاجة إلى كسر حالة الاغتراب الذي تشبعت علاقتنا معها به. وللمؤسسات الثقافية دور مهم في إثراء حياتنا المدينية المجرَّفة بالعمل والاستهلاك وتبديد ذلك الاغتراب. لكن المدى الزمني القصير للفعاليات الثقافية داخلها كالمعارض والندوات والعروض يزيد اغترابنا اغترابًا، لأنها تفتح أعيننا على احتمالات أخرى للحياة ثم تُخلفنا بشعور الوحدة. قد تذهب إلى معرض فني أو متحف وترى أعمالاً فنية جميلة أو آثارًا بديعة ثم تخرج إلى مدينة يتقلص فيها الجمال ويغطي القبح كل جانب من جوانبها، قد تحضر ندوة لمناقشة عمل أدبي أو فكري وتستمع إلى آراء مختلفة حوله ثم تخرج إلى مجال عام يهيمن عليه رأي واحد.. وهكذا نجد أنفسنا نعاني من العزلة مجددًا.

ينقسم المجال الثقافي دائمًا بين فئتين: عاملين/فاعلين وجمهور/متلقين، ويرسم هذا الانقسام خطًا خفيًا بين إيجابية الفاعلين وسلبية المتلقين كالفرق بين ألفة صاحب البيت وغربة الزائر. ولأن بالطبع هذا لم يعد مقبولاً في عصر سيادة وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت أغرب اﻷشياء مألوفة لنا، تظهر حاجة إلى وجود فئة أخرى بينهم تمحو هذا الانقسام الخفي، ألا وهي فئة المشاركين. إننا نلحظ اﻵن انتشارًا للبرامج التعليمية الفنية والثقافية في مؤسسات ثقافية مختلفة بعدما انحدرت مستويات التعليم في المؤسسات التعليمية الرسمية كالجامعات والمعاهد، عامة أو خاصة إلى أدنى مستوياتها. تعمل هذه البرامج على تطوير المواهب الفنية للمشاركين فيها ممن يرغبون في استدامة الثقافة والفنون بمدينتهم في مواجهة فقر الحياة المدينية الحالية.

يتخذ معنى المشاركة هنا تبادل اﻷدوار بين العمل والتلقي: أنت لست قارئا ولا مستمعا ولا متفرجا طوال الوقت، بل أيضًا كاتب ومتحدث ومؤدٍ في أحيان أخرى، ومن ثم تشعر بإسهامك في المجال الفني والثقافي. وعندما يأخذ هذا التبادل شكلاً تعليميًا -أي تطوريًا- نرى ارتقاءً للحياة الثقافية في المدينة ككل. كل ذلك ليس بجديد، كان التعلم وانتقال الخبرات أمرًا طبيعيًا في المجال الفني والثقافي قديمًا، لكن اﻹفقار المتواصل له جعلنا بحاجة إلى ابتكار طرق ووسائل من أجل الحفاظ عليه.

لذلك قدمت وكالة بهنا باعتبارها مؤسسة ثقافية وفنية أربعة برامج فنية وثقافية خلال عامي 2021 - 2022: برنامج للموسيقى وآخر للسينما وآخر للفنون البصرية وأخيرًا برنامج للكتابة والترجمة. وذلك اﻷخير سعدنا بالمشاركة في تصميمه وتيسيره معًا. يتمثل الغرض الرئيسي من هذا البرنامج في إنتاج كتابات وترجمات حول الثقافة والفنون في اﻹسكندرية من خلال استكشاف جيل جديد من الكتاب والباحثين والمترجمين. استغرق البرنامج حوالي عام كامل حتى أصدرنا الكراسات التي بين أيديكم، وقد انقسم ذلك العام إلى أربعة مراحل: تأسيسية وبحثية وإنتاجية وتحريرية.

بدأ برنامج الكتابة والترجمة بالمرحلة التأسيسية اﻷولى التي ضمت أربعة عشر لقاءً انقسمت بين المحاضرات وجلسات المناقشة حول التاريخ والإثنوغرافيا والعمارة والدراسات الثقافية والأدب والترجمة، في المرحلة البحثية الثانية، انقسمت رحلة البرنامج إلى قسمين: القسم الأول المتمثل في مسارات التاريخ الوثائقي والتاريخ الشفوي والإثنوغرافيا والترجمة، يليه القسم الثاني المتمثل في ورشتي الكتابة والترجمة. عمل المشاركون من الكتاب والمترجمين في المرحلة اﻹنتاجية الثالثة (مرحلة الكتابة والترجمة) على تأليف وترجمة المشروعات التي قرروا المشاركة بها في البرنامج.

بالعودة إلى ما خضناه معًا خلال العام الماضي، نجد أننا رسخنا في هذا البرنامج أساليب تعبير جديدة يمكن أن يستفيد منها الشباب في التعرف على ذواتهم، مثل التاريخ الشفهي والإثنوغرافيا. لم تكن تلك المناهج البحثية مألوفة في الأوساط الثقافية من قبل كوسيلة للتعبير عن الذات، ونرى أن تعميمها يمكن أن يرفع الشعور بالمشاركة الحقيقية في الإنتاج الثقافي. كما أننا شجعنا تجربة الترجمة إلى العامية المصرية من خلال تجربة ترجمة مقال خالد فهمي "نحو تاريخ اجتماعي لإسكندرية الحديثة" ترجمة جماعية. قصدنا من هذه التجربة إعادة سرد تاريخنا الشعبي بلساننا العامي من أجل بث الألفة بيننا وبينه، فنشعر أن هذا التاريخ حقًا لنا.

على مدار ستة أشهر توطدت العلاقات بين المشاركين حتى أصبحوا قادرين على التعاون معًا في إنتاج الترجمات الجماعية وتشجيع بعضهم بعضًا على الكتابة. ركزت تلك الترجمات على الجدالات الثقافية حول المدينة وهويتها وهي موضوعات تناولناها في محاضرات المرحلة التأسيسية. الغرض من هذا التركيز هو النظر إلى تلك الجدالات من زوايا مختلفة: ثقافية (هالة حليم) أدبية وفنية (ديبورا ستار) إثنوغرافية (أليكساندرا شيندلر) وتاريخية (ويل هانلي وخالد فهمي). كذلك قدمت بعض الكتابات بعدًا إضافيًا عن رؤية المشاركين من المدينة وخارجها إليها (مقال عمر شاهين ويسر الشعراوي ومقال أحمد برهام).. وبهذا نكون قد قدمنا تغطية شاملة لذلك الجدال الذي دائمًا يتجدد بين الحين واﻵخر في اﻷوساط الثقافية السكندرية. وتضم الكتابات الأخرى تسجيلاً للحياة اليومية الخاصة والعامة في الإسكندرية، حيث تكتب بسمة جاهين حول نوادي الملاكمة النسائية وتكتب ميرنا محمود عن رحلات الأتوبيسات العامة بين العجمي ومحطة مصر ويكتب عمر شاهين عن تاريخ روائح المدينة، بالإضافة إلى تأملات بسمة في سيرة اثنين من الكاتبات السكندريات من جيل الستينيات وكتاباتهن.

وبينما نستعد اﻵن إلى إطلاق النسخة الثانية من البرنامج، نتطلع إلى الخروج من قلب المدينة وأساطيرها الكوزموبوليتانية المتقادمة من أجل رسم خريطة أدبية لجسد الإسكندرية بأكمله. نأمل في توسيع التجربة التعليمية كي تضم أبعادًا أكثر تزيد من إتساع رؤيتنا للإسكندرية ثقافيًا وفنيًا.

                                     حسين الحاج                                                              عبد الرحيم يوسف

 

  • مقدمة

     

    هذه هي الكراسة الأولى من كراسات بهنا، التي تضم نتاج برنامج الكتابة والترجمة؛ أحد فروع برنامج بهنا الدراسي بالتعاون مع مؤسسة دروسوس الذي بدأ في صيف 2021 واستمر لمدة عام تقريبا كما هو مبين في تمهيد الكراسات.

    تضم هذه الكراسة التي تحمل عنوان "الجدال السكندري" ثلاث ترجمات شارك فيها سبعة مترجمين من متدربي وميسري البرنامج: مقال الكاتبة والمترجمة هالة حليم، أستاذ (مشارك) الأدب المقارن ودراسات الشرق الأوسط بجامعة نيويورك: Alexandria – and its “cosmopolitanism” – encore et toujours (الإسكندرية -وكوزموبوليتانيتها- كمان وكمان!) الذي نُشر على موقع بوليتيكس ليترز Politics/Letters  بتاريخ 17 سبتمبر 2018 واشترك في ترجمته: روان حنفي وعبد الرحيم يوسف. ومقال ديبورا ستار، أستاذ مشارك اﻷدب والسينما العربية والعبرية الحديثة في قسم دراسات الشرق الأدنى بجامعة كورنيل: Writing about Writing about Alexandria – A Response to May Hawas (كتابة عن الكتابة عن الإسكندرية – رد على مي حواس) الذي نُشر أيضا على موقع بوليتيكس ليترز Politics/Letters بتاريخ 17 سبتمبر 2018 وترجمته: شذا لاشين. وفصل من رسالة الدكتوراه للباحثة الأنثروبولوجية ألكسندرا شندلر التي ناقشتها عام 2021  بجامعة نيويورك وحملت عنوان: LIVING IN PERMANENT TRANSIENCE: AN ETHNOGRAPHY OF   CONTEMPORARY ALEXANDRIA (العيش في انتقال دائم: دراسة إثنوغرافية للإسكندرية المعاصرة). ترجمنا الفصل الأول من هذه الرسالة والذي حمل عنوان: The Alexandrian Debate (الجدال السكندري) -والذي اخترناه عنوانا عاما لهذه الكراسة- واشترك في ترجمة هذا الفصل: أحمد جلال، مريم سليمان، منة الله عبد المنعم، ميرنا محمود. 

    كانت شرارة بدء هذا "الجدال" قد انطلقت مع مقال نشرته مي حواس، أستاذ مشارك الأدب الإنجليزي والمقارن في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، بتاريخ 28 مايو 2018 على ذات الموقع -بوليتيكس ليترز- وحمل عنوان: How Not to Write on Cosmopolitan Alexandria (كيف لا تكتب عن الإسكندرية الكوزموبوليتانية)، وردت على هذا المقال هالة حليم وديبورا ستار في نفس الموقع كما أثبتنا أعلاه، وتناولت ألكسندرا شندلر في فصلها هذا الجدل ضمن ما تناولته.

    أثناء المرحلة الثانية من برنامجنا، وكجزء من تدريبنا العملي على الترجمة في موضوعات تتناول جانبا ثقافيا من جوانب الإسكندرية، اخترنا مقال مي حواس وقمنا بترجمته ترجمة جماعية، واستقر رأينا على أن نترجم ردي هالة حليم وديبورا ستار مع فصل من أطروحة ألكسندرا شندلر وننشر كل هذا في كراسة واحدة ضمن نتائج البرنامج. تواصلنا مع جميع الكاتبات اللائي رحبن جميعا بالفكرة، لكن د. مي حواس ردت شاكرة ومعتذرة بلطف شديد محتجة بعدم رغبتها في نشر ترجمة بالعربية لمقالها.

    تلقي الترجمات الثلاث الضوء على مقال مي حواس وتلخص أفكاره الأساسية. لكن المقال ما زال موجودا على موقع بوليتيكس ليترز لمن أراد قراءته بالإنجليزية كاملا. ورغم أن إضاءات الترجمات الثلاث على المقال كافية من وجهة نظرنا، لكن من الوجاهة تقديم ملخص سريع له هنا في هذه المقدمة القصيرة. ينطلق مقال مي حواس من رباعية الكاتب الإنجليزي لورانس داريل ذائعة الصيت: رباعية الإسكندرية، باعتبارها هدفا لتحليلات المعسكرين اللذين ترى مي أنهما يمثلان الأكاديميين والباحثين في مسألة "الإسكندرية الكوزموبوليتانية"، فبينما يراها المعسكر الأول الذي أسمته "الكوزموبوليتانيون النوستالجيون" تمثيلا رائعا للمدينة الكوزموبوليتانية التي كانت ورحلت برحيل الأجانب، يراها "المناهضون للنوستالجيا الكوزموبوليتانية" رواية عنصرية محتقرة للسكان الأصليين وتمثيلا لنخبة متأوربة بعيدة عن واقع المدينة وأهلها الحقيقيين. ترى مي أن المعسكرين وجهان لعملة واحدة مشغولة بالماضي حنينًا أو نفورًا، إلا أنهما غافلان عن واقع المدينة المزري ومستقبلها المظلم. لكن انتقادها بالأساس يتوجه نحو المعسكر الثاني الذي تتهمه صراحة بالتواطؤ مع السلطوية الناصرية والرضا عما وصلت إليه المدينة من تردٍ وانحدار بسبب سياسات حقبة ما بعد يوليو 1952. وفي دفاعها عن الأدب ورواية داريل تحديدا باعتبار أن الأدب ليس مطالبا بالتمثيل المتوازن للسكان، تعود لترى أن الأدب والدراسات النقدية بعيدان عن التأثير على هذا الواقع في الأساس. وقرب نهاية مقالها تطرح مي وجود معسكر ثالث تسميه "الكوزموبوليتانيون الغاضبون" وهم في رأيها مجموعة من شباب الكُتاب المثقفين والناشطين المشبعين بروح ثورة يناير 2011 والمهتمين بإعادة قراءة المدينة عبر عدسات ثقافية أخرى مثل كتابات فالتر بنيامين والذين ينشرون كتاباتهم (بالعربية غالبا) عبر وسائل التواصل الاجتماعي واللقاءات الجماعية، لكنها ترى أنهم واقعون في تناقض بيِّن حين يرون أدب النصف الأول من القرن العشرين نخبويا ووهميا وغير واقعي ممثلا في رواية داريل بينما يقبلون النظر بعدسة أوروبي آخر -فالتر بنيامين- في ورش عمل مدعومة من الاتحاد الأوروبي! ومرة أخرى يفشل هذا المعسكر مثل المعسكرين الآخرين في التوجه إلى أزمات المدينة الحقيقية وواقعها المتدهور ومستقبلها المحكوم عليه بالفناء، ويبقى أبناء المدينة الحقيقيون: الذين يعرفون حكايات وأسرار المدينة وطقوس أكلها وأماكنها وضواحيها ومواسم تحولاتها هم العالمون بأن مدينتهم -كما وصفها داريل- عاهرة. مدينة ضائعة وسكانها ضائعون معها في غيبة أي أفق سياسي للفعل. مدينة محكومة بالفناء على يد المناخ البيئي والسياسي. ولم يظهر أي خطاب أكاديمي -بحسب مي- عن الإسكندرية الكوزموبوليتانية ليعبر عن الحتمية المرعبة لهذا السيناريو اليومي.

    في ردها المطوَّل على هذا المقال، قامت هالة حليم بتفنيد النقاط التي رأت أن مي "أساءت تمثيل" وعرض كتابها بها. كانت مي قد اعتبرت هالة من المعسكر الثاني، معسكر المناهضين للنوستالجيا، وركزت في نقدها على هالة تحديدا وكتابها الأساسي Alexandrian Cosmopolitanism: An Archive (الإسكندرية الكوزموبوليتانية: أرشيف) الصادر في نيويورك عام 2013. ركز هذا الكتاب على نقد الخطاب الخاص بالكوزموبوليتانية السكندرية عبر أربعة فصول خصصت ثلاثة منها للثلاثي السكندري الشهير: كفافيس وداريل وفورستر، وأفردت الفصل الرابع لكاتب من أصول شامية غير مشهور اسمه برنارد دي زغيب. وبعد تفنيدها المفصل لطرح مي حواس أدبيا ومفاهيميا، تنتقل هالة لتصحيح ما رأته تجنيا من جانب حواس على حركات المجتمع المدني والجهود الأكاديمية لمخاطبة مشكلات الإسكندرية الواقعية والعمرانية وفهمها عبر تتبع دقيق لبعض من أبرز المبادرات والمشروعات العلمية والثقافية والحركات المدنية، ثم تنتقل في الجزء الأخير إلى استعراض بعض من ملامح " إعادة إحياء الإنتاج السينمائي في المدينة" عبر عدة أفلام وثائقية وروائية اشتبكت مع الإسكندرية وحكاياتها بطرائق مختلفة تنفي الصورة العدمية التي تقدمها مي لواقع المدينة. 

    جاء رد ديبورا ستار متفقا مع عدد من أطروحات مي ومختلفا معها بالأساس حول نظرتها لدور الأدب والدراسات الأدبية في التعامل مع واقع وتاريخ المدينة، وكذلك دور السينما، وتركز بالتحليل على رواية إدوار الخراط (يا بنات إسكندرية)، التي تناولتها هالة حليم أيضا في مقالها، ورواية نائل الطوخي (نساء الكرنتينا)، وفيلم (حدونة مصرية) للمخرج يوسف شاهين. وفي اختلافها مع مي حواس حول "إحباطها بسبب المساحات المحدودة للمقاومة في الإسكندرية المعاصرة" تتذكر مظاهرات الجامعة في 2003 احتجاجا على غزو العراق للكويت التي شهدتها أثناء حضورها مؤتمرا في مكتبة الإسكندرية والواقع القمعي المحيط بالعمل الثقافي وبالمكتبة نفسها.

    تطرح ألكسندرا شندلر في الفصل المترجم من أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه مسألة "الجدال السكندري" حول موقع الإسكندرية المعاصرة وارتباطها بمفهومي الكوزموبوليتانية والنوستالجيا في إطار "السجال الديناميكي الدائر بين السكندريين حول الإسكندرية المعاصرة وموقعها في مصر وفي المنطقة". وعلى هذه الخلفية ترصد وتحلل النقاش الذي دار عبر صفحات الفيسبوك حول سلسلة مناقشات نظمها المعهد السويدي بالإسكندرية "لمناقشة تحديات المدينة وإيجاد الحلول"، ثم تنتقل إلى الجدال بين مي حواس وهالة حليم لتقدم ملخصا وافيا لمقالتيهما ورؤية خاصة بالكاتبة، قبل أن تنهي الفصل برؤية أخرى للمدينة وعالمها عن طريق بورتريه إثنوغرافي لملامح وآراء أحد مثقفي المدينة المستقلين ومؤرخيها غير الأكاديميين: الأستاذ عبد العزيز السباعي (زيزو) ونظرته لواقع المدينة وماضيها وكوزموبوليتانيتها.   

    بعد انتهاء المترجمين من عملهم على الترجمات الثلاثة، قام المحرران: حسين الحاج وعبد الرحيم يوسف، بمراجعة الترجمات وإرسالها إلى الكاتبات الثلاث، اللاتي يعرفن العربية جيدا: ديبورا وألكسندرا، أما هالة فالعربية لغتها الأم. ويتوجه المحرران بالشكر لموافقة ديبورا ستار الكريمة على نشر الترجمة، ولألكسندرا شندلر على مساعدتها في تدقيق النص، ولهالة حليم على جهودها الكبيرة في تدقيق ومراجعة ترجمة مقالها. ونأمل أن تمثل هذه الكراسة مساهمة جيدة في رصد بعض ملامح هذا "الجدال السكندري" الحي والمستمر.

                                                                                                       المحرران

                                                                                                    أكتوبر 2022

  • مقدمة

     

    تضم هذه الكراسة الثانية من كراسات بهنا ترجمتين لدراستين تقادم العهد بهما قليلا لكنهما ما زالتا قادرتين على تبصيرنا بالكثير حول تاريخ الإسكندرية ومسألة الكوزموبوليتانية، سواء السكندرية أو غيرها.

    الترجمة الأولى لفصل من كتاب نُشر عام 2004 بعنوان Alexandria, Real and Imagined (الإسكندرية الحقيقية والمتخيَلة) عن دار نشر روتليدج البريطانية وقام على تحريره أنطوني هيرست ومايكل سيلك، والفصل الذي ترجمناه للمؤرخ المصري البارز د. خالد فهمي أستاذ الدراسات العربية الحديثة في جامعة كامبريدج، وحمل عنوان: Towards a Social History of Modern Alexandria (نحو تاريخ اجتماعي لإسكندرية الحديثة)، وفيه يمارس خالد فهمي هوايته في استقراء التاريخ الاجتماعي من خلال وثائق وأرشيف المؤسسات الحكومية، وتحديدا محاضر أقسام الشرطة والضبطية القضائية، داعيا إيانا لمحاولة قراءة التاريخ الاجتماعي للإسكندرية الحديثة من مصادر أخرى غير مذكرات وروايات الأجانب الأوروبيين الذين تركوا البلاد وسجلات المؤسسات التي أداروها. وفي رحلته الشيقة تلك يستعرض معنا بصورة مختصرة تاريخ وملابسات إنشاء ثلاثة معالم هامة أثرت في تشكيل المجتمع السكندري خلال القرن التاسع عشر، وفي المرحلة السابقة على ما يسمونه العصر الذهبي الكوزموبوليتاني للمدينة، وهي: ترعة المحمودية، الترسانة أو الليمان، الحجر الصحي أو الكرنتينا. بعدها ينتقل لاستكشاف شكل العلاقة بين المصريين والأجانب الفقراء، في مجتمع وصفه فهمي بأنه كوزموبوليتاني ولكن ليس بشكل نخبوي، بل بشكل أكثر واقعية. ومن خلال القضايا/القصص التي يستخرجها من أرشيف الضبطية، يرصد ويحلل ملامح هذه العلاقات بطرافتها وتسامحها وعنفها.. بحقيقيتها، في أماكن مثل المقاهي والخمارات والسوق، وممارسات مثل شرب الكحول في الأماكن العامة وحيازة الأسلحة وحمل جوازات السفر وممارسة السحر والشعوذة. ويخلص إلى أن السياسات المتحررة والمرنة قبل الاحتلال الإنجليزي ساهمت في خلق مجتمع كوزموبوليتاني سكندري حتى قبل ما يُسمى بالعصر الذهبي للإسكندرية، وأن هذه الكوزموبوليتانية التي ضاعت ليست حكرا على الأجانب الذين رحلوا، بل يحق للمصريين الذين بقوا أيضا أن يأسفوا لفقدها.

    قمنا بترجمة هذا الفصل إلى العامية المصرية بعد استئذان د. خالد فهمي الذي رحب وساعدنا كثيرا بمراجعته الدقيقة للترجمة وملاحظاته الوجيهة ومساعداته في توفير النصوص الأصلية المتاحة لديه من الوثائق، فلزام علينا شكره لقبوله أولاً بفكرة ترجمتنا ونشرنا لهذا الفصل، وثانيا لكل جهوده ومساعداته الكريمة. وقد اشترك في ترجمة هذا الفصل ثمانية من المشاركين في البرنامج: صفية محمود، أحمد جلال، عمر شاهين، يسر الشعراوي، مريم سليمان، أحمد برهام، شذا لاشين، ميرنا محمود، بالإضافة إلى المحررين.

    أما الترجمة الثانية فهي مقال للمؤرخ الأمريكي ويل هانلي نُشر عام 2008 على موقع History Compass (بوصلة التاريخ) وحمل عنوان: Grieving Cosmopolitanism in Middle East Studies (رثاء الكوزموبوليتانية في دراسات الشرق الأوسط). وقامت بالترجمة: صفية محمود ويسر الشعراوي. مقال دسم يأخذنا في جولة لاستعراض المفاهيم المختلفة للكوزموبوليتانية وموقعها من دراسات الشرق الأوسط، وينتقل بعدها إلى قراءة أعمق في تجليات الكوزموبوليتانية في مدن الموانئ الشرق أوسطية والإسكندرية نموذجا، قبل أن ينتقل إلى الكوزموبوليتانية في مدن الشرق الأوسط الحديث ويتخذ من القاهرة نموذجا. وهو في رحلته تلك يستعرض وينتقد العديد من الأفكار والكتب والأفلام والمنظرين -ومن بينهم د. خالد فهمي- في مقال تأسيسي لكل من يرغب في مناقشة فكرة الكوزموبوليتانية على اتساعها.

    ونحن نتوجه بالشكر أيضا إلى المؤرخ الكبير لموافقته على ترجمة المقال ونشره.

     

                                                                                                      المحرران

                                                                                                   أكتوبر 2022

  • مقدمة


    تضم هذه الكراسة الثالثة من كراسات بهنا مجموعة من كتابات المشاركين في برنامج الكتابة والترجمة التي استطاع أصحابها استكمالها في المرحلة الثالثة والرابعة من البرنامج، وهي في الحقيقة ليست كل مشروعات الكتابة التي قُدمت، لكن حالت الظروف دون أن يستكمل البعض كتاباتهم إما بسبب ضغط العمل وظروف الحياة، أو بسبب اتساع نطاق مشروعاتهم وحاجتها لوقت أطول من العمل، ونأمل أن يستكملوا ما بدأوه في الفترة القادمة وأن تكون هناك فرصة لنشرها في كراسات تالية أو منصات أخرى مهتمة.
    تقدم الكتابات المنشورة هنا جوانب وصورا مختلفة لمدينة الإسكندرية في ماضيها وحاضرها، في تجلياتها الثقافية والحياتية، كأنها تقدم للقارئ مرايا مختلفة الأبعاد لملامح من هذه المدينة التي اخترنا أن تكون محورًا للبرنامج في شقيه: الكتابة والترجمة.
    يصطحبنا المعماري والأكاديمي أحمد برهام، ابن القاهرة، في جولة قراءته وتعرُّفه على الإسكندرية عبر عدد من الكتب من ناحية وعبر جولات فعلية استكشافية لمناطق مختلفة في المدينة اكتشفها وحده أو مع أصدقائه أو بفضل الكتب التي تحولت إلى أدلة وخرائط وبوصلة يرسم بها برهام خريطته الشخصية للإسكندرية.
    وتأخذنا بسمة جاهين، معلمة اللغة الإنجليزية، في ثلاث جولات ممتعة: الأولى نستكشف فيها معها عالم رياضة الكيك بوكس بالنسبة للفتيات وصالات التدريب وقواعد ومخاطر اللعبة، في استبطان ذاتي يصل إلى حد الشاعرية أحيانا لجوانب هذه الرياضة العنيفة ودوافع الكاتبة لاختيارها ومغامراتها في عوالمها، أما الجولة الثانية فهي رحلة بحثية شائقة عن كاتبة سكندرية أصدرت ثلاث مجموعات قصصية في الستينيات وهي دون التاسعة عشرة، وهي الكاتبة مواهب صدقي ربيع التي لا نعرف عنها شيئا، رحلة يحركها الشغف واللامبالاة، وتقابلها الصعوبات والمصادفات السعيدة، وترسم بورتريها لعصر ورؤية لوضع أدبي واجه كثيرا من الكاتبات في هذا الزمن. الجولة الثالثة: (تلابيب الرصافة) سرد متواز بين عالمين: الرصافة/محرم بك حاليا حيث تعيش بسمة، والرصافة/محرم بك حيث كانت تعيش الكاتبة الشهيرة صافي ناز كاظم، التي تحاول بسمة في هذا المقال رصد تحولاتها مثلما رصدت تحولات المكان، وتوازي بين رؤية صافي ناز كاظم للكتابة ورؤيتها هي شخصيا لها.
    وفي رحلة أخرى نذهب مع الكاتب والمترجم عمر شاهين لمطالعة خريطة أخرى للمدينة رسمتها روائحها، وكانت بوصلته فيها أنفه وذكرياته وقراءاته الواسعة لكتب ومقاطع من روايات تعاملت مع تجليات الروائح في هذه المدينة ومفهوم الرائحة بشكل عام، في عصر أنهك حواس الإنسان وجعله يكاد أن يفقدها. وهذه الخريطة بقدر طرافتها وأهليتها لأن تكون دليلا لمن شاء الاهتداء بها، إلا أنها -كما يؤكد راسمها- خريطة شخصية يمكن أن تختلف عن خريطة أي فرد آخر في دعوة واضحة لأن نتبين خرائطنا الشخصية لروائح مدينتنا.
    وعبر مزيج من التجربة الشخصية والتأريخ الشفهي تحاول طبيبة الأسنان -التي تخرجت أثناء البرنامج- والقاصة منة الله عبد المنعم التأريخ لتجربة ندوة وجماعة أصيل الأدبية التي بدأت في أواخر ثمانينيات القرن الماضي وانتهت في عام 2007، والتي شكلت جانبا مهما من جوانب المشهد الأدبي والثقافي للإسكندرية طوال هذه الفترة، من خلال لقاءات موسعة مع عدد كبير من الأدباء والكُتاب الذين أسسوها أو حضروا جانبا كبيرا منها، اعتمادا على ذاكرتهم وحكاياتهم وعلى ما توافر من إصدارات وتدوينات، مع وجود خط شخصي تحكي فيه منة تجربتها مع ورش الكتابة التي تلاقت بالصدفة مع ورش وأنشطة نظمها بعض من هؤلاء الأدباء أنفسهم.
    ومع ميرنا محمود، التي شهد هذا البرنامج وجودها طالبة ثم خريجة من كلية العلوم، نذهب في رحلات حقيقية -حتى وإن كانت مهمشة- مستقلين أوتوبيس النقل العام من محطة مصر -التي تُنظِّر لها ميرنا كمركز مثالي للإسكندرية- إلى العجمي حيث تسكن، وفي هذه الرحلات ترصد ميرنا بعين محللة ومتعاطفة وضجرة تفاصيل الناس والأحوال والعلاقة بهذه المدينة من زاوية مختلفة.
    وفي المقال الأخير، والأكبر، الذي استعرنا منه عنوان هذه الكراسة، تصحبنا الباحثة يسر الشعراوي مع عمر شاهين مرة أخرى في رحلة موسعة لتتبع تحولات الإسكندرية في مرآتها ومرايا عدد كبير من الكُتاب والكتابات، يخادعنا المقال في البداية بحديث الكاتبين عن توهتهما في هذه الرحلة، لنكتشف بعد قليل أنهما يختطان مسارًا ونهجا واضحين ومرشدين وسط عباب الكتابات التاريخية والثقافية عن الإسكندرية والمدينة بشكل عام، متناولين جوانب كثيرة كالكوزموبوليتانية والشعور السكندري الجريح بالتميز والاختلاف والنوستالجيا -التي يرى الكاتبان أنها قد تكون وليدة عجز والتصاق مريض بماض لم يكن ورديا بالضرورة، لكنها شعور لا مناص منه لأسباب عديدة. وتخلص المقالة إلى أن فهم هذه التحولات بقراءة سياقها السياسي والاقتصادي والثقافي هو السبيل للتعامل مع وطأة وورطة الأزمة السكندرية، بعيدا عن النزعة الطللية البائسة أو النزعة العملية البليدة. يحاور هذا المقال إلى حد كبير كثيرا مما جاء في كراستي الترجمة ويشكل جسرا ورابطا قويا معهما.
    المحرران
    أكتوبر 2022