وكالة بهنا

عمل الساحرات وإعادة إنتاج الحياة

كان استقلال مصر بمثابة مشروع جديد لخلق حداثة ما بعد الاستعمار، حيث تولت المرأة أدوارًا قيادية في الحكومة وشاركت في بناء الدولة، واكتسبت حقوقًا قانونية جديدة من خلال مساواة شكلية.
تضمن هذا المشروع ظهور المرأة المصرية في الساحة العامة كامرأة متقدمة ومتعلمة، والأهم من ذلك، ظهورها كامرأة عاملة. كان عمل النساء جزءا أساسيا من مشروع قومي اجتماعي وثقافي وفني واسع النطاق أصر على وجود المرأة في المجال العام. وكان المصنع يمثل الوسيلة الرمزية والمادية لنظام جديد يسمى بـ”نسوية الدولة” حيث بدأت النساء في الانضمام إلى القوى العاملة بأعداد كبيرة.
في الوقت نفسه، أصر هذا المشروع على الحفاظ على صورة المرأة المصرية كأم محبة وطاهية ماهرة وزوجة محترمة ومديرة لكل شؤون المنزل. هذا العمل غير المأجور الذي بذل في إعادة الإنتاج الاجتماعي تم التقليل من قيمته تاريخيًا واختزل تحت بند حب الأم والمسؤولية الوطنية للمرأة في صياغة مشروع بناء الأمة في فترة ما بعد الاستعمار. جادلت النسويات الماركسيات بأن العمل منتج بقدر ما يعتمد على عمل النساء غير المأجور في إعادة إنتاج الحياة. فإعادة الإنتاج الاجتماعي يمثل الشرط الأساسي الدائم لجميع الأشكال التاريخية الأخرى للعمل المنتج. يرتبط العمل الرعائي ببناء أمة حديثة، من ناحية، والحفاظ على التقسيم الجندري للعمل في الأسرة، من ناحية أخرى. أصبح العمل الرعائي في المنزل مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالمسؤولية الوطنية، مستحضرًا المجازات الجوهرية عن قوة وصمود المرأة المصرية التي تتحمل عبء الأسرة. ليس من الغريب إذن أن يعتبر أي تجاوز للنساء عما هو سائد بمثابة انتهاك لقيم الأسرة المصرية، بل تخيله كشيء غريب عن أخلاقنا.
ومن ناحية أخرى، يوجد أرشيف ثري من الأدبيات التي وثقت تصور النساء كساحرات ونضالهن كنوع من الشعوذة. اهتمت هذه الأدبيات بإعادة النظر في علاقة الرأسمالية بالنظام الأبوي، حيث ناقشت التراكم الأولي لرأس المال في أوروبا من زاوية تاريخ محارق الساحرات (النساء) في القرن السادس والسابع عشر. هنا أصبح السحر كناية عن تجاوز السائد والمألوف والارتداد عن مؤسسة الأسرة الحديثة. من خلال هذا اللقاء أحاول تخيل النساء المصريات كساحرات، كونهن حارسات لقيم الأسرة المصرية ومدمرات لها في نفس الوقت.
حيث يتناول هذا اللقاء الاقتصاد السياسي للعمل والجندر من خلال استحضار شبح المرأة المصرية في فترة ما بعد الاستعمار ورصد علاقتها بالأشباح الأخرى التي تهدد “قيم الأسرة المصرية” اليوم.
مي طه
أستاذ مساعد في قسم علم الاجتماع بجامعة London School of Economics and Political Science (LSE) . وهي متخصصة في مجال دراسات القانون والمجتمع والحركات العمالية والعمل الرعائي بالإضافة إلى نظريات إعادة الإنتاج الاجتماعي والتراكم الأولي لرأس المال.
المادة المقترحة
Silvia Federici, Caliban and the Witch: Women, the Body and Primitive Accumulation (Autonomedia 2004), pp. 169-186.
كارل ماركس، رأس المال، المجلد الأول، فصل 24: “سر التراكم الأولي”